عن كتاب طريق الأرض لراهب من جبل انطونيوس...
(إنني ذاهب بملء رضاي إلى الموت لأجل الله راجياً ألا تقفوا عائقاً في سبيلي..
أتوسل لكم ألا تكون شفقتكم في غير وقتها المناسب, دعوا الوحوش تأكلني لأني عن طرقها سأصل إلى الله..
أنا حنطة الله أطحن تحت أنيابها لأصبح خبزاً نقياً للمسيح.
هيجوا هذه الوحوش الضارية لتكون ضريحي ولا تترك شيئاً من جسدي لئلا أثقل على أحد في رقادي الأخير.
حينئذ أصبح تلميذاً حقيقياً ليسوع المسيح عندما لا يرى العالم جسدي.
صلوا إلى المسيح لأجلي حتى أغدو بفضل الوحوش الضارية ضحية إلهي)
أنها حقاُ
صرخة مثيرة آتية عبر الأجيال, صرخة رجل لا يهاب الموت ولا يخاف الاستشهاد,. صرخة رجل تضرع بها في غمرة عشق إلهي. صرخة هزت كياننا بصدقها.
صرخة شهدت بفرط حرارتها وشعلة حماسها..إنها صرخة مدوية صرخها القديس الشهيد (أغناطيوس الأنطاكي) ورن صداها عبر الزمان.
صرخة حب عبرت عن محبته المتأججة لحبيبه المسيح.
صرخة صرخها منذ حوالي تسعة عشر قرناً من الزمان ولا تزال حتى الآن تهلب قلوبنا.
فقد استشهد هذا القديس أثناء اضطهاد تراجان ما بين (107 – 117)م, فقد أرسل من أنطاكية إلى روما, وفي المسرح الكبير عُري القديس الوقور من ثيابه, وطُرح إلى الوحوش فمزقت جسده الطاهر, والتهمته.
(أنا حنطة الله أطحن تحت أنياب الوجوش لأصبح خبزاً نقياً للمسيح)
إن الروحانيون لا يهابون الموت, هذا الضيف العزيز بالنسبة لهم, فهو جسرهم إلى الله.
وهم منذ بداية حياتهم في الروح, يحيون في انتظار الموت, وأدبهم النسكي ممهور بذكر الموت.
وقد قيل أنه في اللحظات الأخيرة من حياة نيقوديم الأثوسي سأله أحد الموجودين في النسك:
هل أنت في هدوء يا أبت؟
فأجاب القديس:
(كيف لا أكون في هدوء. وقد جعلت المسيح في مركز حياتي, وكل حياتي وغاية وجودي؟)
هذه كانت آخر كلمات نطق بها هذا الفم الطاهر, وبعدما غادر الحياة الفانية. إلى العالم العلوي بعد حياة في الجسد عاشها يغب من فيض النعمة الإلهية.
ما أحلى الموت للمستعدين للقاء عريس نفوسهم وما أبهج الموت للمنتظرين ذلك اليوم الذي تُقام فيه أفراح الأبدية.
هؤلاء يكون بالنسبة لهم:
الموت هو مركبة السلام التي توصل إلى شاطئ الأمان